بشأن القواعد الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية

[أبو يوسف]

الاستعراض الدوري الشامل مصر 2014

ورقة مشتركة مقدَّمة من جهتين معنيتين
’مؤسسة حرية الفكر والتعبير‘ منظمة مصرية أنشأتها مجموعة من المحامين والباحثين في عام 2006 للدفاع عن حرية التعبير عن طريق توفير الدعم القانوني للضحايا وتوثيق الانتهاكات التي تتعرض لها حرية التعبير في جميع صورها.
4

’فري ميوز‘ - المنتدى العالمي المعني بالموسيقى والرقابة منظمة دولية مستقلة قائمة على العضوية، تنادي بحرية التعبير للموسيقيين والملحنين في جميع أنحاء العالم وتدافع عنها. وقد حظيت ’فري ميوز‘ بمركز استشاري خاص لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة منذ عام 2012.

خلاصة

1- في تقريرها الصادر في شهر حزيران/يونيو 2013، والمعنون "الحق في حرية التعبير والإبداع الفنيين"، خلصت مقررة الأمم المتحدة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية، السيدة ’فريدة شهيد‘، في استنتاجاتها إلى أنَّ "آثار الرقابة الفنية أو القيود غير المبررة على الحق في حرية التعبير والإبداع الفنيين مدمرة" .
2- وأثناء استعراضها الدوري الشامل السابق في عام 2010، قبلت مصر بالعديد من التوصيات المتعلقة بالحرية الفنية. وتستند هذه الورقة إلى دراسة بحثية أجراها فريق من الخبراء القانونيين من ’مؤسسة حرية الفكر والتعبير ‘ في الفترة بين أيلول/سبتمبر 2013 وكانون الثاني/يناير 2014، والذين قاموا بعقد مقابلات مع العديد من الفنانين في مجالات متعددة ووثقوا عدة قضايا منظورة أمام المحاكم المصرية . ويركز تحليلنا على القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي، والذي ينظِّم الرقابة المسبقة على الأعمال الفنية؛ وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 162 لسنة 1993 بشأن اللائحة التنفيذية لتنظيم أعمال الرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية (والذي يشتمل على اللائحة التنفيذية للقانون)؛ وقرار وزير الثقافة رقم 220 لسنة 1976 بشأن القواعد الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية؛ وقانون العقوبات المصري (القانون رقم 58 لسنة 1937) بشأن التعبير المحظور جنائيًا؛ والقانون رقم 35 لسنة 1978 فى شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية (اتحاد نقابات المهن الفنية).
3- يشتمل نظام الرقابة المسبقة الذي أرساه التشريعات الوطني المصري على العديد من الإجراءات البيروقراطية المقيِّدة لحرية الإبداع والإنتاج الفني، بما يجبر الفنانين على التعامل مع إجراءات إدارية معقدة وُضعت لضمان سيطرة الدولة على محتوى الأعمال الفنية. كما أنَّ هذه اللوائح تقتضي من السلطات الرقابية أن ترفض الترخيص لأي عمل يخالف المعايير المحدِّدة للقيم الروحانية والدينية والأخلاقية والمنصوص عليها في صياغة غامضة أو يخالف النظام العام.
4- ويجرِّم قانون العقوبات المصري العديد من أشكال التعبير الفني. ووفقًا لدراسة أجرتها ’مؤسسة حرية الفكر والتعبير‘ عام 2014 ، فإنَّ معظم القضايا المنظورة أمام المحاكم المصرية في شأن حرية التعبير تنطوي على زعم بحماية الأخلاق العامة، والأديان، وسمعة الأشخاص أو المؤسسات، وبالأخص، على أحد الموضوعات المحظورة الثلاثة: الدين والجنس والسياسة. والتشريعات الوطني المصري مع الفقه القانوني الدولي والممارسات المثلى في التمييز بين التعبير المسموح به قانونًا وغير المسموح.
5- وتلعب نقابات المهن الفنية، مدعومة بالسلطة التي تكفلها لها التشريعات الوطنية في صورة القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن اتحاد نقابات المهن الفنية، دورًا هامًا في تحجيم التعبير الفني في السينما والمسرح والتلفزيون والموسيقى. وفي هذا الصدد، فإنَّ الدولة قيد الاستعراض في وضع مخالف لاتفاقات العمل الدولية والضمانات الدولية لحرية تكوين الجمعيات والتجمع.
6- وتخلص هذه الورقة إلى العديد من التوصيات للدولة قيد الاستعراض فيما يخص الحاجة للإصلاح التشريعي والمؤسسي. وعلى وجه الخصوص، فإننا نقترح يُستبدل بمنظومة الرقابة المسبقة نظام لتصنيف للأعمال الفنية حسب ملاءمتها للفئات العمرية، وإلغاء القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن اتحاد نقابات المهن الفنية، وإصلاح قانون العقوبات امتثالا للمعايير الدولية التي تعتبر أنَّ احتمالية تسبب التعبير في وقوع ضرر وشيك هي العتبة التي يبدأ عندها تجريمه.
حرية التعبير الفني
7- أثناء استعراضها الدوري الشامل في عام 2010، قبلت مصر بالعديد من التوصيات المتعلقة بحرية التعبير الفني. وتضمنت هذه التوصيات تلك التي تقدَّمت بها بنغلاديش وسويسرا بشأن مواصلة مصر لما تقوم به من مراجعة للتشريعات الوطنية لضمان تمشيها مع التزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ وتوصية شيلي بشأن ضمان ممارسة حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي بفعالية، والحق في المشاركة في الحياة العامة وفي السياسات؛ وتوصية هولندا بشأن إلغاء عقوبة الحبس في جرائم النشر؛ وتوصية السويد بشأن اتخاذ مصر إجراءات لضمان توسيع نطاق التمتع بحقوق الإنسان ليشمل شبكة الإنترنت؛ وتوصية ألمانيا بشأن اعتماد مصر جميع التدابير اللازمة لقيام وسائط إعلام حرة مستقلة تعكس التعددية الدينية والعرقية والسياسية للآراء في مصر.
8- ولم تحرز مصر أي تقدم يُذكر في تنفيذ هذه التوصيات. فتشريعاتها الوطنية لم تزل تخل بالتزاماتها الدولية في العديد من المجالات التي تؤثر على الحرية الفنية. والإطار القانوني منصوص عليه في القانون رقم 430 لسنة 1955 لتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي، والذي ينظِّم الرقابة على الأعمال الفنية؛ وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 162 لسنة 1993 بشأن اللائحة التنفيذية لتنظيم أعمال الرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية (والذي يشتمل على اللائحة التنفيذية للقانون)؛ وقرار وزير الثقافة رقم 222 لسنة 1976 بشأن القواعد الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية؛ وقانون العقوبات المصري (القانون رقم 58 لسنة 1937). ولم يُلغِ دستور 2014 نظام الرقابة، بل وعلى العكس من ذلك، منح النائب العام الحق في توجيه اتهامات جنائية للفنانين وسمح بفرض عقوبات سالبة للحرية فيما يخص الأعمال الفنية التي يُزعم أنَّها تنطوي على القذف.

آليات الرقابة المسبقة

9- يخوِّل القانون رقم 430 لسنة 1955، المعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992، لوزارة الثقافة سلطة الرقابة على المصنفات السمعية والسمعية البصرية. ويحظر القانون تسجيل المصنفات السمعية والسمعية البصرية أو تصويرها أو نسخها أو اقتباسها، وكذلك عرضها وأداءها وإذاعتها في مكان عام دون ترخيص من الوزارة . ويشتمل القرار رقم 162 لسنة 1993 على لوائح تنفيذ رقابة الدولة، محددًا اختصاصات الإدارة العامة للرقابة على المصنفات والإجراءات المنظِّمة لطلب الترخيص والتعامل مع الطلب والتظلمات. وعلى هذا النحو، يُرسي القانون المصري نظامًا من الأنظمة المعروفة بأنظمة الرقابة المسبقة، يتعين بموجبه فحص سلطات الدولة للأعمال الفنية والموافقة عليها قبل إمكانية وصولها للجمهور.
10- والتراخيص مؤقتة، تنتهي بعد سنة من تاريخ منحها بالنسبة للتصوير والتسجيل، وبعد عشر سنوات بالنسبة للعرض والأداء والإذاعة. ويجب على صانع العمل أن يسدد الرسوم المقررة عن الترخيص، إلا أنَّ القانون لا يحدد قيمتها أو كيفية حسابها. والتراخيص قابلة للسحب من قِبَل السلطة القائمة على الرقابة. وعلاوة على ذلك، فإنَّ القانون يفرض الرقابة لا على صنع الأعمال الفنية فحسب، بل وعلى أي تطوير أو تغيير يجريه عليه صانعه في المستقبل. ومن ثم، فإنَّه يخلق رباطًا دائمًا بين المنظومة الرقابية والعمل الفني الذي يُعاد بعثه بعد انتهاء الترخيص.
11- ويتعرض المخالفون للمادة الثانية من القانون رقم 430 لسنة 1955، إثر إنتاجهم مصنفات فنية دون ترخيص من السلطة المختصة، للحبس لمدة تصل إلى سنتين أو لغرامة لا تقل عن 5.000 جنيه مصري ولا تزيد عن 10.000 جنيه مصري أو كلتا العقوبتين معًا. أما من يقومون بإجراء تعديل أو تحريف أو إضافة أو حذف بالمصنف المرخص به أو باستعمال ما قررته السلطة القائمة على الرقابة استبعاده من المصنف المرخص به في الدعاية له، فيتعرضون للحبس لمدة سنة واحدة أو لغرامة لا تقل عن 1.000 جنيه مصري ولا تزيد عن 2.000 جنيه مصري أو كلتا العقوبتين معًا. وإذا أدين الفنان بمخالفة القانون، يُسحب الترخيص. وتنطبق العقوبات ذاتها في حالة إذا لم يطبع الفنان رقم الترخيص وتاريخه على الأعمال المرخص بها.
12- ووفقًا للمادة 17 من القانون، فإذا ثبتت المخالفة وتم تحرير المحضر اللازم، يجوز وقف تصوير العمل أو تسجيله أو عرضه أو تأديته أو إذاعته أو بيعه بالطريق الإداري مع ضبط العمل ذاته. وعلاوة على ذلك، فإنَّ أي مكان عام يُستخدم في عرض العمل المسيء أو إذاعته أو أدائه يُغلق لمدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على شهر وتُصادر جميع الأدوات والأجهزة والآلات التي استعملت في ارتكاب المخالفة.
13- كما أنَّ القانون رقم 430 لسنة 1955 يضع نظامًا للتظلم ضد رفض الترخيص أو إلغائه، ويحيلها إلى لجنة مشكلة بقرار من وزير الثقافة وتشتمل عضويتها على ممثلين عن مجلس الدولة والهيئة العامة للاستعلامات والمجلس الأعلى للثقافة وأكاديمية الفنون والنقابة المعنية. ويسمح القانون للجنة باستشارة خبراء حسبما يتراءى لها، ولكنه لا يمنح أولئك الخبراء الحق في التصويت. ويتعين على المتظلم أن يتقدَّم بتظلمه، في غضون أسبوع واحد من إبلاغه بنتيجة طلب الترخيص، بكتاب موصى عليه مشفوعًا بالمستندات والأدلة المؤيدة لوجهة نظره.
14- وتثقل عملية التظلم المشار إليها على كاهل المتظلمين، ولا سيما ماليًا. فهم يسددون مبلغ تأمين غير قابل للاسترداد –لم ينص عليه القانون بل يحدد بقرار من وزير الثقافة – حتى يُقبل التظلم رسميًا. كما يتعين على المتظلمين أن يسددوا أتعاب الخبراء الذين يمكن للجنة أن تستشيرهم. وهذه الأتعاب غير محددة مسبقًا بل تقدرها اللجنة.

معايير الرقابة المسبقة

15- تنص المادة 1 من القانون رقم 430 لسنة 1955 على أنَّ القصد من الرقابة هو حماية النظام العام والآداب ومصالح الدولة العليا. ولا ينص القانون على تعريف دقيق لهذه الأمور الثلاثة المحمية. ويوضح قرار وزير الثقافة رقم 220 لسنة 1976 القواعد المستخدمة للرقابة على المصنفات الفنية. وتنص المادة الأولى من القرار على أنَّ الهدف من الرقابة هو المحافظة على الآداب العامة والنظام العام وحماية النشء من "الانحراف". ولتحقيق هذه الأهداف، لا يجوز للإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية أن تمنح ترخيصًا بعرض أي عمل أو إنتاجه أو الإعلان عنه إذا كان هذا العمل يتضمن أيًا من الأمور الآتية: (من بين عدة سمات مزعومة أخرى):
• التعريض بالأديان السماوية والعقائد الدينية؛
• إظهار صورة الرسول أو سماع صوته؛
• تغليب عنصر الرذيلة في سياق الأحداث أو عرض الرذيلة على نحو يشجع على محاكاة فاعليها؛
• المشاهد الجنسية المثيرة أو مشاهد الشذوذ الجنسي والحركات المادية والعبارات التي توحي بذلك؛
• عرض السكر وتعاطي الخمور والمخدرات على أنه شيء مألوف أو مستحسن؛
• عرض الحقائق التاريخية وخاصة ما يتعلق منها بالشخصيات الوطنية بطريقة مزيفة أو مشوهة؛
• التعريض بدولة أجنبية أو بشعب تربطه علاقات صداقة بجمهورية مصر العربية وبالشعب المصري، ما لم يكن ذلك ضرورياً لتقديم تحليل تاريخي يقتضيه سياق الموضوع؛
• عرض المشكلات الاجتماعية بطريقة تدعو إلى إشاعة اليأس والقنوط وإثارة الخواطر أو خلق ثغرات طبقية أو طائفية أو الإخلال بالوحدة الوطنية؛
16- وتنصُّ المادة 3 من القرار رقم 220 لسنة 1976 على مراعاة القائمين على الرقابة عدم التصريح للأحداث الذين تقل سنهم عن 16 عامًا بمشاهدة الأعمال الفنية التي تنطوي على موضوعات العنف الزائدة والجريمة والجنس بطريقة يمكن أن تولد فيهم شكًا أو خوفًا أو تُغريهم بالتقليد أو تزعزع ثقتهم في قيم المجتمع أو تشيع فيهم روح اليأس والتشاؤم. كما تحظر المادة التصريح بما من شأنه أن يتيح للصغار دون سن 12 عامًا أن يشاهدوا أفلامًا تتضمن مشاهد العنف أو الجنس.
17- كما ينظِّم القرار رقم 220 لسنة 1976 كذلك الرقابة على الأعمال التي ينتجها اتحاد الإذاعة والتلفيزيون. فينص على أنَّ الجهات المختصة باتحاد الإذاعة والتليفزيون يجب أن تلتزم كحد أدنى بالقواعد المشار إليها في مواد القرار عند التصريح بعرض أي عمل على شاشة التليفزيون أو عن طريق الإذاعة وعند عرض أي إعلان يتعلق بهذه الأعمال. ويجب على هذه الجهات أن تعير انتباهًا خاصًا في اختيارها لما تعرضه للتمكين لقيم المجتمع والقيم الفنية الرفيعة وتجنب الابتذال. كما يتعين عليها أن تلاحظ أنَّ البرامج التي تعرضها تصل إلى أفراد من جميع الأعمار، وأنَّها تتحمل مسؤولية خاصة فيما يخص حماية الصغار. وقد وثقت الدراسات البحثية التي أجرتها ’مؤسسة حرية الفكر والتعبير‘ في عام 2013 العديد من حالات التدخل الرقابي في أعمال من إنتاج اتحاد الإذاعة والتليفزيون .
تجريم التعبير
18- يفرض قانون العقوبات المصري عقوبات سالبة للحرية وغرامات على العديد من الأفعال التي تقع ضمن نطاق التعبير الفني. فعلى سبيل المثال، فإنَّ كل من أغري شخصًا واحدًا أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح أو إيماء علني أو بكتابة أو رسوم أو صور أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة علنية يعد شريكًا فى الفعل المجرَّم ويُعاقب بالعقاب ذاته إذا ترتب على هذا الإغراء وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل.
19- كما ينص قانون العقوبات أيضًا على أن يُعاقَب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 5.000 جنيه مصري ولا تزيد عن 10.000 جنيه مصري أي شخص يحرض الغير على قلب نظام الحكم فى مصر أو يروج لمذاهب ترمي إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظام الاجتماعي الأساسي بالقوة أو بالإرهاب. كما يُعاقِب بغرامة لا تقل عن 10.000 جنيه مصري ولا تزيد عن 30.000 جنيه مصري أي شخص ينشر أو يصنع أو يحوز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض صورًا غير دقيقة من شأنها الإساءة إلى سمعة البلاد. وتنطبق العقوبة ذاتها على أي شخص يتعمد استيراد مثل هذه المواد أو تصديرها أو نقلها أو الإعلان عنها أو عرضها للبيع أو الإيجار، ولو لم يقم بذلك علنًا.
20- وتفرض جريمة إهانة الرئيس قيدًا عامًا آخر على حرية الإبداع. فالمادة 179 من قانون العقوبات تعاقب أي شخص يهين الرئيس بغرامة لا تقل عن 5.000 جنيه مصري ولا تزيد عن 10.000 جنيه مصري. وتجرِّم المادة 184 إهانة مؤسسات محددة، فتضع حكمًا بالحبس أو غرامة لا تقل عن 5.000 جنيه مصري ولا تزيد عن 10.000 جنيه مصري أو كليهما معًا كعقوبة لأي شخص يهين أو يسب مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو غيرهما من الهيئات النظامية أو الجيش أو المحاكم أو السلطات أو المصالح العامة .
21- ويحظر قانون العقوبات تداول أي محتوى منافٍ للآداب العامة، فيضع عقوبة عليها بالحبس لمدة لا تزيد عن سنتين أو غرامة لا تقل عن 5.000 جنيه مصري ولا تزيد عن 10.000 جنيه مصري. وتشمل الآداب العامة كل المواد الجنسية التي تظهر الجسد أو تتناول العلاقات الجنسية المرفوضة اجتماعيًا، كالعلاقات المثلية، أو حتى العلاقات الجنسية الطبيعية في إطار خارج عن الأخلاقيات السائدة. ويفرض قانون العقوبات قيودًا متعددة على التعبير في ما يتعلق بأمور الدين والاعتقاد، وهو ما سوف نناقشه في القسم التالي.
الحرية الفنية فيما يخص الفكر والعقيدة والدين
22- خلال استعراضها الدوري الشامل في عام 2010، قبلت مصر بالعديد من التوصيات المتعلقة بالحرية التي تكفلها لمواطنيها فيما يخص الفكر والعقيدة والدين كما تتجسد في أعمالهم وعروضهم الفنية. وتشمل هذه التوصيات التوصيتين اللتين أشرنا لهما آنفًا من بنغلاديش وسويسرا ؛ وتوصية بﻣﻮï؛چï؛»ï»*ï؛” تهيئة ï؛‘ï»´ï؛Œï؛” ï؛—ﻔﻀﻲ ï؛‡ï±ƒ ï؛چï»ںï؛کﻤï؛کï»ٹ ï²‌ï؛®ï»³ï؛” ï؛چï»ںï؛ھﻳﻦ والمعتقد، بما في ذلك من خلال تطبيق تدابير إضافية لتعزيز المساواة في الحقوق وتحقيق التناغم الاجتماعي فيما بين أتباع مختلف الديانات (أرمينيا )؛ وتوصية بمواصلة تعزيز من هوية وثقافة الطوائف المختلفة وزيادة الوعي المجتمعي بوجودها التاريخي في مصر وإسهامها في المجتمع (أرمينيا )؛ وتوصية بضرورة ضمان حرية الدين والمعتقد لجميع الجماعات الدينية والأقليات، بما يشمل النص على ذلك في التشريعات ذات الصلة، دون تمييز (فنلندا وشيلي )؛ وتوصية بزيادة الجهود لإنهاء التمييز والعنف الممارس ضد الأقليات الدينية ومحاكمة أولئك الضالعين في التحريض على الكراهية الدينية والعنف الديني (النمسا ).
23- وتُضيِّق قواعد الرقابة المسبقة المنصوص عليها في قرار وزير الثقافة رقم 220 لسنة 1976 بشدة على الأعمال الفنية التي تتناول مواضيع الدين والمعتقد، سواء تلك المعنية باتجاهات روحانية لا تعترف بها الدولة ولا المجتمع مثل اللا-أدرية أو الأديان غير السماوية، أو تلك التي تنطوي على تجسيد الأنبياء، أو على انتقادات موجَّهة للدين أو روايات تاريخية غير تقليدية بشأنه.

24- وفي شهادته التي أدلى بها لـ ’مؤسسة حرية الفكر والتعبير‘ في عام 2013، يقول المخرج السينمائي ’أمير رمسيس‘: "نظريًا، لا توجد سلطة أعلى من إدارة الرقابة. فوزير الثقافة ذاته ليس له الحق في التدخل في عمل الرقابة. ولكن الواقع غير ذلك، ففي نهاية المطاف، تخضع إدارة الرقابة لرغبات رئيسها ذاته واستعداده لعقد الصفقات وتقديم التنازلات. فعندما يُعرض عليه أحد الأفلام، لا يكون ملزمًا باستشارة الأزهر – وله السلطة في ذلك طبقًا للقانون – إلا أنَّه لا يريد الخوض في أي مشكلات مع جهة دينية. وبطبيعة الحال، فطالما كان هناك توجه لاختيار رئيس طيِّع للإدارة، وأعتقد أن هذه أكبر مشاكل الرقابة" .
25- ويشتمل قانون العقوبات المصري على العديد من المواد التي تقيِّد تناول الدين أو المعتقد على نحو يؤثر مباشرة على الحرية الفنية . فيفرض القانون عقوبات سالبة للحرية على أي تعبير يتضمن معالجة يُزعم أنَّها غير لائقة للأديان السماوية. فعلى سبيل المثال، يفرض القانون عقوبة بالحبس لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن خمسة سنوات أو غرامة لا تقل عن 500 جنيه مصري ولا تزيد عن 1.000 جنيه مصري لأي شخص يستغل الدين فى الترويج، بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى، لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية. كما يفرض القانون حكمًا بالحبس وغرامة لا تقل عن 100 جنيه مصري ولا تزيد عن 500 جنيه مصري أو كلتا العقوبتين معًا لمعاقبة أي تعدٍ على أحـد الأديان التي تؤدى شعائرها علناً بأي من الطرق المبيَّنة في المادة 161. وتشمل أحكام تلك المادة ما يلي:
1- طبع أو نشر كتاب مقدس فى نظر أهل دين من الأديان التي تؤدى شعائرها علنًا إذا حرف عمدًا نص هذا الكتاب تحريفاً يغير من معناه.
2- تقليد احتفال ديني فى مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية به أو ليتفرج عليه الحضور.
26- وتدعو الممارسات المثلى المتبعة في الوقت الراهن في الفقه القانوني الدولي إلى رفع العتبة التي يبدأ عندها تجريم التعبير، بما في ذلك التحريض المزعوم على الكراهية الدينية أو التمييز أو العنف. وينبغي لسلطات الدولة أن تنظر بعين الاعتبار إلى السياق الذي يقع فيه التعبير، وهوية المسؤول عنه ومقصده، ومحتوى التعبير وشكله، ومدى انتشاره، واحتمالية وقوع أضرار فعلية نتيجة له. وينبغي إيلاء العناية بالأخص عند النظر في التعبير الواقع ضمن سياق عمل أكاديمي أو علمي أو فني .
27- ومن بين الأمثلة على ما سبق القضيةُ رقم 8391/65 والتي رفعتها مجموعة من المحامين أمام محكمة القضاء الإداري في عام 2011، يختصمون فيها وزير الإعلام، والشركة المصرية للأقمار الصناعية (نايل سات)، والشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي، والهيئة العامة للاستثمار، وشيخ الأزهر، ومفتي الجمهورية، والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية؛ مطالبين يطلبون بوقف وإلغاء قرار السماح بعرض مسلسل إيراني بعنوان ’يوسف الصديق‘ على جميع القنوات التي تبث عبر القمر الصناعي المصري ’نايل سات‘. وذكر المدعون أنَّ المسلسل يجسِّد نبيين، النبي ’يوسف‘ والذي يلعب دوره في سن الرشد الممثل الإيراني ’مصطفى زماني‘، ويجسده في مرحلة الطفولة الممثل الإيراني ’حسين جعفري‘، وكذا النبي ’يعقوب‘ والذي يلعب دوره الممثل الإيراني ’محمود باكنيات‘، فضلا عن الملاك ’جبريل‘ الذي يلعب دوره الممثل الإيراني ’أردالان شوجا كافيه‘. ودفع المدَّعون بأنَّ في هذا اعتداء صارخ على المقدسات الإسلامية، مستدلين بالعديد من الفتاوى الدينية التي تحرِّم تجسيد الأنبياء والملائكة. وفي تموز/يوليو 2011، أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة قرارًا بوقف عرض المسلسل على قناة ’ميلودي‘ وقنوات أخرى في مصر.
28- وبدأت مجريات القضية المرفوعة على الروائي ’كرم صابر‘ في 12 نيسان/أبريل 2011، عندما قام العديد من مواطني بني سويف بتقديم بلاغ (رقم 600 لسنة 2011) إلى النائب العام يتهم ’صابر‘ بنشر مجموعة قصص قصيرة تحت عنوان "أين الله"، والتي اشتملت على 11 قصة زعموا أنَّها تدعو للإلحاد وتخوض في الذات الإلهية وتدعو للفتن وإراقة الدماء في المجتمع. قمت النيابة بالتحقيق في الموضوع وأرسلت نسخة من الكتاب إلى الأسقفية القبطية في بني سويف والأزهر لتطلب الرأي الديني فيما إذا كانت الاتهامات ضد الكتاب صائبة. وكان رد الأسقفية أنَّ الكتاب يتعارض مع القوانين الإلهية ويسخر من المقدسات ويخترع قصصًا بعيدة كل البعد عن الأدب الرفيع النبيل. ومن جانبه، كان للأزهر رأي مماثل، قائلا أنَّ الكتاب يهدد القيم الفكرية للمجتمع المصري ويفت في عضده. وطالبت كلتا المؤسستين بسحب الكتاب من الأسواق. وبسبب الجدل الدائر حوله، رفض كل من الأهرام والأخبار توزيع الكتاب على باعة الصحف، مما اضطر الكاتب إلى توزيعه بنفسه على فرادى المكتبات. وحكمت المحكمة على ’صابر‘ غيابيًا بالحبس لمدة خمسة أعوام، وكان الحكم لا يزال قيد الاستئناف حتى كتابة هذه الورقة.
حرية تكوين الجمعيات والتجمهر
29- وأثناء استعراضها الدوري الشامل في عام 2010، قبلت مصر بالعديد من التوصيات المتعلقة بحرية تكوين الجمعيات والتجمع. ومما يعنينا هنا على وجه الخصوص توصيةُ شيلي المذكورة آنفًا بشأن ضمان ممارسة حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي بفعالية، والحق في المشاركة في الحياة العامة وفي السياسات، إلى جانب توصيتي بنغلاديش وسويسرا السابق ذكرهما. وهناك توصية محددة من الولايات المتحدة الأمريكية بسن تشريع يسمح لنقابات العمال بالعمل دون الانضمام للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وهي توصية لم تؤيدها مصر آنذاك. ولم تحرز مصر أي تقدم يُذكر في تنفيذ هذه التوصيات.
30- الممارسة الفنية الاحترافية تنظمها عدة نقابات مهنية، من ضمنها نقابة المهن التمثيلية والتي تضم جميع ممثلي السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة، بالإضافة إلى المخرجين المسرحيين ومديري المسارح والماكييرات والملقنين ومديري الديكور ومصممي الأزياء وراقصي الفنون الشعبية والباليه ومحركي العرائس وآخرين تحددهم لائحة النقابة. وتضم نقابة المهن السينمائية كل المحترفين في مجالات الإخراج وكتابة السيناريو والتصوير السينمائي وإدارة الإنتاج والتحرير والديكور والماكياج والصوت في كل من السينما والتليفزيون. وتشمل نقابة المهن الموسيقية كل من يعمل في مجال الغناء بصوره المختلفة، أو يعزف على آلة موسيقية من أي نوع، والملحنين والموزعين وقادة الفرق الموسيقي والباحثين في تاريخ الموسيقي. ويمكن لنقاد المسرح والفيلم والموسيقى أن ينضموا إلى النقابة المعنية، وكذا بالنسبة لمؤلفي النصوص المسرحية والسينمائية والموسيقية.
31- وينظم القانون رقم 35 لسنة 1978 شؤون هذه النقابات، وتنص المادة 3 منه على أنَّ الهدف من إنشائها هو:
1- النهوض بالفنون المسرحية والسينمائية والموسيقية.
2- تنمية التراث الإنساني والوطني لهذه الفنون والحفاظ عليه، ولا سيما التراث المصري والعربي، وفقًا لمقتضيات التقدم العالمي والجمع بين الأصالة والمعاصرة.
ومن بين الطرق التي تقيِّد بها النقابات الفنية حرية التعبير الفني في مصر هي منع غير الأعضاء من العمل في المسرح أو السينما أو الموسيقى. ويمكن لمجلس النقابة أن يصدر ترخيصا مؤقتًا لغير الأعضاء بمدة محددة أو لعمل محدد، بهدف تسهيل ظهور مواهب واعدة أو استمرارية الفنانين المتميزين ذوي الخبرة، أو لتعزيز التبادل الثقافي بين مصر والبلدان الأخرى في حالات الإنتاج المشترك، أو في حالة ندرة ونقص الممارسين من أعضاء النقابة. ولا يمنح الترخيص لصاحبه أيًا من الحقوق أو الامتيازات المكفولة للأعضاء العاملين في النقابة، مثل الحق في حضور الجمعية العمومية أو الحق في الحصول على الامتيازات الصحية والتأمينية التي يتمتع بها الأعضاء.
32- وتراقب النقابة تنفيذ العقد لضمان الحفاظ على حقوق طالب الترخيص خلال زمن التعاقد. وفي المقابل، يسدد مقدِّم الطلب رسومًا للنقابة – تتحدد بناءً على طبيعة العمل بما لا يزيد عن 10.000 جنيه مصري؛ أو 20.000 جنيه مصري إذا كان مقدِّم الطلب غير مصري. وتحدد اللوائح الداخلية لكل نقابة هذه الرسوم. ويُحظر توقيع أي عقد مع شخص أو توظيفه إذا لم يكن عضوًا بالنقابة أو يحمل ترخيصا مؤقتًا منها.
33- تضيِّق هذه القيود بشدة على حرية التعبير الفني في السينما والمسرح والتليفزيون والموسيقى. فإذا لم يكن الفنان عضوًا في نقابة مهنية ولا يحمل ترخيصًا من أيِّ من تلك النقابات، فإنَّ إنتاج الأعمال الفنية أو الاشتراك بها أو توزيعها يُعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. ويعاقب القانون رقم 35 لسنة 1978 المخالفين بعقوبة الحبس لمدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد عن ثلاثة أشهر أو غرامة لا تقل عن 2.000 جنيه مصري ولا تزيد عن 20.000 جنيه مصري أو كلتا العقوبتين معًا.
34- ويعلِّق المخرج السينمائي ’أحمد عبدالله‘ في شهادته التي أدلى بها لـ’مؤسسة حرية الفكر والتعبير‘ في عام 2013: "تحتاج إلى ترخيص من وزارة الداخلية وربما من الجيش كذلك لتقوم بالتصوير. فإذا كنت تقف إلى جوار بحر – أي بحر – لزم عليك استشارة الجيش حتى لو كان المشهد مجرد شخص يقف على الشاطئ. ولا تخاطب وزارة الداخلية أحدًا غير نقابة المهن السينمائية والتي تستغل ذلك لتقوية موقفها، فلا تمنح تصاريح التصوير الخارجي إلا لأعضائها. فإن لم تكن عضوًا، يكون عليك أن تسدد مبلغًا هائلًا لا تقدر عليه إذا كنت من هواة الأفلام، على سبيل المثال، أو طالبًا جامعيًا تريد أن تصنع فيلمًا مع أصدقائك. ولا تستطيع القيام بهذا بدون النقابة ".

التوصيات

35- في رأي ’مؤسسة حرية الفكر والتعبير‘ ومنظمة ’فري ميوز‘ فإنَّ الدولة قيد الاستعراض قد فشلت في الارتقاء إلى مستوى التزاماتها الدولية فيما يخص حرية التعبير الفني، وحرية الدين والمعتقد، وحرية تكوين الجمعيات والتجمع. ومن ثم، فإنَّنا نتقدم بالتوصيات الآتية:
1- على الحكومة المصرية أن تلغي جميع التشريعات التي تفرض الرقابة المسبقة، وعلى وجه الخصوص:
أ- القانون رقم 430 لسنة 1955 المنظِّم للرقابة على الأعمال الفنية.
ب- اللائحة التنفيذية لتنظيم أعمال الرقابة على المصنفات الفنية، الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 162 لسنة 1993.
ج - قرار وزير الثقافة رقم 220 لسنة 1976 بشأن قواعد الرقابة على الأعمال الفنية.
2- ينبغي أن يُستبدل بنظام الرقابة الحالي نظامٌ لتصنيف الأعمال الفنية حسب ملاءمتها للفئات العمرية يحجم عن حذف المحتوى الفني أو تعديله، على أن يُكفل للفنانين تمثيلًا كافيًا في إدارته.
3- ينبغي للحكومة المصرية أن تعدِّل تشريعاتها التي تجرِّم التعبير بزعم حماية الآداب العامة والنظام العام والدين وسمعة الغير. وينبغي لأي تجريم للتعبير أن يتوافق مع العتبة السداسية التي تأخذ في الاعتبار إلى السياق، والمتحدث، والقصد، والمحتوى، والشكل، واحتمالية الضرر ومداه.
4- ينبغي للحكومة المصرية إلغاء القانون رقم 35 لسنة 1976 بشأن اتحاد النقابات الفنية والذي يجرِّم اشتغال غير الأعضاء في النقابة بالفن دون ترخيص.
5- ينبغي للحكومة المصرية أن تسمح للفنانين بتشكيل النقابات المهنية وفقًا لاتفاقيات منظمة العمل الدولية الملزمة لمصر.